سياسات الهُويّة الطائفيّة في الشرق الأوسط بعد الثورات العربيّة

لمجد يسوع المخلّص

 

            خلال العقد الماضي، احتلّت الطائفيّة مكانةً بارزةً في المناقشات حول السياسة الإقليميّة في الشرق الأوسط، حيث دار الكثير من النقاش حول ما إذا كانت سياسات الهُويّة الطائفيّة مهمّةً في العلاقات الدوليّة بعد الثورات العربيّة. هذا سؤالٌ صحيح، وقد يصبح أكثر أهميّةً في السنوات القادمة، إذا كانت «القوميّة المُفرطة» ستحلّ محلّ تركيز العقود الأخيرة على الطائفيّة. ومع ذلك، فعندما يتعلّق الأمر بفهم دور سياسات الهُويّة الطائفيّة في العلاقات الدوليّة في الشرق الأوسط خلال العقد الأوّل بعد الثورات العربيّة، فمن المفيد استكمال سؤال «ما إذا كان» بمجموعةٍ أخرى من الأسئلة تركّز على «كيف»، و«أين»، و«متى»، و«مَن». للإجابة عن هذه الأسئلة الإضافيّة، يجدر الانتباه إلى بعض القضايا المتنازع عليها في الجدل الطائفيّ الأوسع، وإعادة النظر في بعض النقاشات الأكثر كلاسيكيّةً حول نظريّة العلاقات الدوليّة والشرق الأوسط.
الثورات العربيّة وسقوط سياسات الهُويّة النازفة وصعودها
            برزت سياسات الهُويّة -تقليديًّا- بشكلٍ بارزٍ في دراسة العلاقات الدوليّة للشرق الأوسط، وهي منطقةٌ وُصِفَت بأنّها «تنزف من سياسات الهُويّة». فقد ناقش الباحثون ما إذا كانت العوامل الفكريّة مهمّةً مقارنةً بالعوامل الماديّة، وكذلك كيف أثّر وجود هُويّاتٍ متعدّدةٍ عابرةٍ للدول على ديناميكيّات السياسة الإقليميّة، وما إذا كان هذا يميّز المنطقة عن العلاقات الدوليّة في أيّ مكانٍ آخر.
            لقد تحدّت الثورات العربيّة هذا المفهوم للشرق الأوسط المُشبَع بالهُويّة. فاقترح البعض إمكانيّة ظهور «شرق أوسطٍ جديد» من شأنه أن يمهّد الطريق لنوعٍ جديدٍ من سياسات الهُويّة، أو ربّما يجعل النقاش برمّته حول سياسيات الهُويّة وكأنّه نقاشٌ عفا عنه الزمن. وهكذا، فإنّ غياب الشعارات القوميّة العربيّة أو الإسلاميّة الكلاسيكيّة ووجود الأعلام المصريّة فقط في ميدان التحرير، جَعَلَ البعض يدّعي أنّ الدولة والهُويّة الوطنيّة في الشرق الأوسط سادتا أخيرًا. ومع ذلك، فإنّ صعود الصراعات الطائفيّة والتعبئة الدينيّة العابرة للحدود الوطنيّة سرعان ما أوضح أنّه من السابق لأوانه الإعلان عن الهُويّات العابرة لدول «القرن العشرين». فقد لفت بعض المراقبين الانتباه إلى هُويّات الدولة الفرعيّة القائمة على العشيرة أو العِرق، وناقشوا ما إذا كان ذلك سيؤدّي إلى إعادة رسم خريطة الشرق الأوسط. واقترح آخرون أنّ السمة المميّزة لسياسات الهُويّة في «الشرق الأوسط الجديد» ستكون «الطائفيّة الجديدة»، ووصف آخرون بأنّها عمليّةٌ «طائفيّة».

Post navigation

Skip to content