الصحّة النفسيّة عنصرٌ أساسيٌّ في حياتنا اليوميّة. بشكلٍ عام، يتمّ تعريف هذا المفهوم على أنّه قدرة الفرد على الحفاظ على التوازن بين الوظائف العاطفيّة والفكريّة والاندماج بسهولةٍ في الحياة الاجتماعيّة. عندما يسمعون عبارة «الصحّة النفسيّة»، يفكّر معظم الناس في الأمراض العاطفيّة والنفسيّة. ومع ذلك، فإنّ الصحّة النفسيّة هي أكثر من مجرّد غياب المرض؛ إنّها حالة الوجود التي يرغب الجميع في تحقيقها، سواء كنّا نعرف ما هي أم لا. عندما نفكّر في السعادة والرضا والفرح وراحة البال والعواطف الإيجابيّة الأخرى، فإنّنا نشير في الواقع إلى الصحّة النفسيّة. في كثيرٍ من الأحيان، يجد الباحثون والممارِسون صعوبةً في التمييز بين الصحّة النفسيّة والأمراض العقليّة. على سبيل المثال، يشعر الإنسان بالخوف من التحدُّث أمام الجمهور، فهل هذا يعني أنّه يعاني من اضطرابٍ شديدٍ أم أنّه ببساطةٍ أكثر عاطفيّةً من الآخرين؟ بدلًا من ذلك، إذا شعر إنسانٌ ما بالحزن، فهل هي حالةٌ عابرةٌ أم عرضٌ من أعراض اضطراب الاكتئاب؟ أشارت منظمّة الصحّة العالميّة مرارًا إلى أنّ السبب الأوّل للإعاقة في جميع أنحاء العالم هو الاكتئاب. عندما لا يكون الله مرجعًا للخير والقداسة والمبادئ الأخلاقيّة الراسخة، تصبح الحدود بين الخير والشرّ، الصحيّ وغير الصحيّ، الطبيعيّ وغير الطبيعيّ ضبابيّة. بدون التوجيه الإلهيّ، يضيع الإنسان في سعيه وراء المعنى والرفاهيّة، ممّا يؤدّي غالبًا إلى الكثير من الإحباط وخيبة الأمل والحزن والعجز.
الروحانيّة – القطعة المنسيّة (أو التي تمّ التغاضي عنها)
الروحانيّة هي إحدى الجوانب التي بدأ الباحثون والخبراء من مختلف المجالات إيلاءها اهتمامًا متزايدًا. الرعاية الروحيّة في الممارسة الطبيّة والنفسيّة هي نهجٌ متعدِّد التخصُّصات يسعى إلى تخفيف الألم والمعاناة المرتبطة بمختلف المشاكل الطبيّة أو النفسيّة. الروحانيّة مصدرٌ مهمٌّ للتكيُّف مع الأمراض النفسيّة والجسديّة. يمكن للممارسات الروحيّة مثل الصلاة أن تزيد من فعاليّة التدخُّلات الطبيّة أو النفسيّة من خلال تعبئة الموارد الداخليّة للمرضى. يحدث الشفاء بسرعةٍ أكبر إذا كانت الجوانب الروحيّة للإنسان متداخلة، ولم يَعُد يُنظَر إلى الأجزاء النفسيّة والعاطفيّة والجسديّة على أنّها كياناتٌ منفصلة. في سياق المسيحيّة، تمثِّل الروحانيّة سعي الإنسان إلى الكمال في المسيح، من خلال التوبة واكتساب الفضائل المسيحيّة؛ إنهّا القناة التي من خلالها يُنمِّي الإنسان علاقته بالله ويُغذِّيها. تلعب الروحانيّة، إذًا، دورًا محوريًّا في كلٍّ من الصحّة النفسيّة والجسديّة. لا يقتصر الأمر على أنّ هذا البُعد الحاسم من الحياة له تأثيرٌ إيجابيٌّ على الصحّة الجسديّة لمرضى السرطان، ولكنّه يرتبط أيضًا بشكلٍ إيجابيٍّ بالمرونة الصحيّة، التي تُعَدّ مؤشِّرًا على الصحّة النفسيّة. لسوء الحظّ، فإنّ التطوُّرات التكنولوجيّة الحديثة في التشخيص والعلاج طغت على العنصر البشريّ في الطبّ، ممّا أدّى إلى أزمةٍ روحيّةٍ شاملة. على الرغم من أنّ المعالجين النفسيِّين وأخصّائيِّي الصحّة النفسيّة يدركون جيّدًا العلاقة بين الروحانيّة والصحّة النفسيّة، إلّا أنّ التحدّي الأكبر هو تطبيق المعرفة الموجودة بالفعل في بيئةٍ طبيّة. من أجل (إعادة) دمج البُعد الروحيّ في المفهوم الواسع للصحّة النفسيّة، يجب على الإنسان أوّلًا إعادة تعريف هُويّته الروحيّة باتّباع نموذج يسوع والآباء القدّيسين الذين كانوا يواجهون أيضًا تحدّياتٍ يمكن أن تترك بصمةً على حياتهم النفسيّة.
الحبّ -أساس الحياة الروحيّة المسيحيّة
في رسالته الأولى، يُعلّمنا يوحنّا الحبيب أنّ «مَن لا يُحِبّ فإنّه لا يعرف الله لأنّ الله محبّة» (٨:٤). علاوةً على ذلك، تمّ التأكيد مرّةً أخرى على الدور الأسمى للحبّ في سياق الإيمان المسيحيّ في متّى ٣٧:٢٢، حيث حثّ يسوع المؤمنين قائلًا: «أحبب الربّ إلهك بكلّ قلبك وكلّ نفسك وكلّ ذهنك»؛ وفي متّى ٣٨:٢٢-٣٩، ذكّر يسوع المؤمنين بثاني أكبر وصيّةٍ وهي «أحبب قريبك كنفسك». باختصار، يجب أن تدور الحياة الروحيّة لأيّ مسيحيٍّ حول مفهوم الحبّ لأنّ المحبّة هي الله والله محبّة.