إسرائيل بين الدين والعلمانيّة

لمجد يسوع المخلّص

قال مردخاي بن بورات[1]، في كتابه «بين الدولة والمجمع» (Between State and Synagogue)، إنّ السلطة الدينيّة والحاخاميّة آخذةٌ في التراجع في إسرائيل بسبب المتغيِّرات الديموغرافيّة، حيث يجد الإسرائيليّون العلمانيّون وغير الأرثوذكس طرقًا جديدةً لتجنُّب القوانين والاحتفالات المتعلّقة بالسبت وطعام الكاشير والزواج. وقد أكّد على أنّ العديد من هذه المتغيِّرات ليست واردةً في الكتب الرسميّة ولا تتعلّق بتعزيز أيديولوجيّةٍ علمانيّةٍ أو الانخراط في السياسة.
نمت النزاعات بين الإسرائيليّين العلمانيّين والمتديّنين بشكلٍ خاصّ في الثمانينات والتسعينات من القرن الماضي مع تشكيل الأحزاب السياسيّة الأرثوذكسيّة ونفوذها المتزايد. وقد حاول الإسرائيليّون العلمانيّون وغيرهم من غير الأرثوذكس استخدام الوسائل السياسيّة أو الاستئناف أمام محكمة العدل العليا لمحاربة مثل هذا التأثير، إلّا أنّ محاولاتهم لم تنجح إلى حدٍّ كبير، وفقًا لبن بورات. وبدلًا من ذلك، كانت التغييرات في سكّان إسرائيل وأنماط حياة الإسرائيليّين هي التي قد تشكّل التحدّي الأكبر للتأثير الدينيّ التقليديّ.
لقد أضاف تدفُّق المهاجرين من الاتّحاد السوفيتيّ السابق خلال العقود الماضية إلى المناخ العلمانيّ في إسرائيل، حيث اعتبر الأرثوذكس العديد من هؤلاء الوافدين الجدد على أنّهم غير يهود (بسبب وجود أمّهاتٍ غير يهوديّات). ونظرًا لأنّ زيجاتهم لا يمكن أن تكون مصدَّقةً من السلطات الأرثوذكسيّة، فإنّ العديد من هؤلاء المواطنين الإسرائيليّين من الاتّحاد السوفيتيّ السابق يذهبون إلى قبرص لإقامة مراسم زفافهم. كانت المساكنة، التي تضاعفت ثلاث مرّاتٍ في الخمسة عشر عامًا الماضية في إسرائيل، وسيلةً للتحايل على قوانين الزواج الدينيّة.
عاملٌ آخر في التحدّي الذي تواجهه السلطات الدينيّة هو نموّ «رجال الأعمال العلمانيّين»، الذين يستخدمون الموارد المتاحة لإجراء تغييراتٍ في المجتمع الإسرائيليّ، والتي غالبًا ما تتحايل على النُّظُم الدينيّة. ففي حين أنّ فتح الأعمال التجاريّة في يوم السبت محظورٌ رسميًّا، يسمح القانون للتجّار غير اليهود بالعمل، ممّا يخلق ثغرةً للإسرائيليّين العلمانيّين لإبقاء متاجرهم مفتوحة. كما أنّ توسيع مراكز التسوُّق خارج المدن التي تخرج عن النُّظُم الدينيّة المتعلّقة بالسبت وطعام الكاشير يُغذّي أيضًا أسلوب حياة المستهلك للإسرائيليّين العلمانيّين. وقد يكون نمط الحياة هذا آخذٌ في الانتشار، كما استشهد بن بورات ببحثٍ يُظهِر أنّ ما يصل إلى ٤٠٪ من الإسرائيليّين الذين يعرِّفون أنفسهم على أنّهم «تقليديّون» يعترفون أيضًا بالتسوُّق يوم السبت. وبالطريقة نفسها، يمكن إنتاج الأطعمة غير اليهوديّة وبيعها إذا كان المنتج أو البائع غير يهوديّ، ممّا يسمح بسوقٍ علمانيٍّ بديل.
إنّ هذه المبادرات الاقتصاديّة وغيرها من التغييرات في نمط الحياة توفِّر منطقة راحةٍ للإسرائيليّين العلمانيّين. فانحراف القواعد والطرق الأخرى التي يتعامل بها الإسرائيليّون العلمانيّون مع السلطة الدينيّة تميل إلى نزع الطاقة السياسيّة للقتال، إذ إنّ هناك أيضًا نفورًا من الحزب الأرثوذكسيّ للقتال خارج حدوده، ممّا يقلِّل من فرص حربٍ ثقافيّةٍ كبرى بين المتديّنين والعلمانيّين في إسرائيل. إنّ عمليّة العلمنة في إسرائيل لن تجعل الإسرائيليّين بالضرورة أكثر علمانيّة؛ لأنّ تراجع السلطة الدينيّة يمكن أن يتعايش مع الممارسات الدينيّة ولا يرتبط بالضرورة بالأجندة العلمانيّة الأوسع.
[1]  سياسيٌّ إسرائيليٌّ شغل منصب عضو الكنيست، وعُرِفَ عنه بأنّه مهندس عمليّة إجلاء اليهود العراقيّين إلى إسرائيل عبر إيران وقبرص، والتي عُرِفَت بِـ «عمليّة عزرا ونحميا».

Post navigation

Skip to content